الأحد، 28 أغسطس 2022

خامسا 5. ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث/فصل في النص يخص بعضه هل الباقي على عمومه أم لا يحل على عمومه

 

خامسا  الاحكام 5 لابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الأول/الجزء الثالث/فصل في النص يخص بعضه هل الباقي على عمومه أم لا يحل على عمومه
قال علي: وأما النص الذي يصح البرهان على أنه ليس على عمومه، فقد قال قوم الباقي على عمومه، وقال بعضهم ــــــ وهو عيسى بن أبان الحنفي قاضي البصرة ـــــ: لا نأخذ منه إلا ما اتفق عليه. قال علي: والصحيح من ذلك أنه كان من النصوص التي لو تركنا وظاهرها لم يفهم منه المراد ــــــ فإننا لا نأخذ منها إلا ما يبينه نص آخر أو إجماع، وذلك مثل: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأيضاً فإن الله تعالى نص لنا على الصلاة والزكاة بالألف واللام، والألف واللام إنما يقعان على معهود، ولا يفهم من هذا الظاهر كيفية الصلاة والزكاة الواجبين علينا فوجب أن يطلب بيانهما من نصوص أخر أو إجماع، وقد أخبرنا تعالى أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس في وسعنا أن نفهم استقبال الكعبة والإتيان بأربع ركعات للظهر في كل ركعة سجدتان، وثلاث للمغرب من قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } ولا في وسعنا أن نفهم إعطاء شاة من خمس من الإبل، وما يجب من الزكاة من البقر والغنم من قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } ولأجل هذا النص منعنا من أن يكون تعالى يكلفنا ما لا نطيق، وأما لو شاء ذلك تعالى لكان حسناً في العقل، ولو أنه تعالى كلفنا شرب ماء البحر في جرعة، ثم يعذبنا إن لم نفعل لكان ذلك عدلاً وحقّاً، ولكنه تعالى قد تفضّل علينا وآمننا من ذلك ولم يكلفنا ما لا نطيق، فله الحمد والشكر لا إله إلا هو.
وكذلك قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ليس فيها بيان كيفية تلك الصدقة، ولا متى تؤخذ أفي كل يوم أم في كل شهر أم في كل عام؟ أم مرة في الدهر؟ ولا مقدار ما يؤخذ ولا من أي مال، ففي قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } عمومان اثنان أحدهما: الأموال، والثاني: الضمير الراجع إلى أرباب الأموال، فأما عموم الأموال: فقد صح الإجماع المنقول جيلاً جيلاً إلى رسول الله أنه لم يوجب الزكاة إلا في بعض الأموال دون بعض، مع أن نص الآية يوجب ذلك، لأنه إنما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فالظاهر يقتضي أن ما أخذ مما قل أو كثر فقد أخذ من أموالهم كما أمر، وقوله عليه السلام إذ سئل عن الحمير: أفيها زكاة أم لا على أن هذا اللفظ ليس مراداً به جميع الأموال، وقد قال عليه السلام: «إِنَّ أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وقال عليه السلام: «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» ، ونص عليه السلام على أنه لا يحل له أخذ مال أحد إلا بطيب نفسه وليست الزكاة كذلك، بل هم مقاتلون إن منعوها.
وأيضاً فإن لفظة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } إنما هي للتبعيض وأيضاً فلو كانت الأموال مرادة على عمومها لكان ذلك ممتنعاً، لأن ذلك كان يوجب الأخذ من كل بُرَّة، ومن كل خردلة، ومن كل سمة، لأن كل ذلك أموال، فلما صح بكل ما ذكرنا أنه تعالى لم يرد كل مال وجب طلب معرفة الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقدار ما يؤخذ منها، ومتى يؤخذ من نص آخر، أو من الإجماع إذ قد ثبت أن المأخوذ هو شيء من بعض ما يملكونه، فلا بد من بيان ذلك الشيء المراد، فإنه إذا أخذ شيء يقع عليه اسم شيء واحد من جميع أموالهم، فقد أخذ من أموالهم، وكان هذا أيضاً موافقاً للظاهر وغير مخالف له البتة، وليس إلا هذا الوجه، إلا أن يوجب أكثر منه نص أو إجماع، لأنه قد تعذر الوجه الثاني، وهو أن يؤخذ من كل مال جزء، وإذا لم يكن لشيء إلا قسمان فسقط أحدهما ثبت الآخر، فلو لم تأت نصوص وإجماع على الأخذ من المواشي والذهب والفضة والبر والشعير والتمر، لما وجب إلا ما يقع عليه اسم أخذ، لأجزأ إعطاء برَّة واحدة أو شعيرة واحدة، أو أي شيء أعطاه المرء، ولكن النصوص والإجماع على ما ذكرنا، فرض الوقوف عندهما. وأما العموم الثاني: وهو عموم أرباب الأموال فبين واضح، وهو من: كل إنسان ذي مال، فوجب استعماله على عمومه، إذ عرف مقدار ما يؤخذ، ومتى يؤخذ، ومما يؤخذ، فلا مخرج من ذلك إلا ما أخرجه نص أو إجماع على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى. وأما النص المفسر الذي يفهم معناه من لفظه، وكان يمكننا استعماله على عمومه ولو لم يأتنا غيره، فأتى نص آخر أو إجماع، فخص منه بعض ما يقع عليه الاسم، فإنه لا يخرج منه إلا ما أخرج النص والإجماع، والحجة في ذلك هي الحجج التي أثبتنا بها القول بالعموم في أول هذا الباب الذي نحن الآن في فصوله، ويلزم من قال: لا أبقي منه إلا ما جاء نص أو إجماع في بقائه أن يبيح دماء جميع الأمة إلا ما اتفق على تحريم دمه، لأن قوله عليه السلام: «دِماؤُكُمْ وَأَمْوالُكُم عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» لقد اتفق على أنه ليس على عمومه، بل لخص منه كثير كالزناة المحصنين، وقتلة الأنفس وغيرهم، فيلزمهم أن يقتلوا شارب الخمر في الرابعة، هذا لو لم يأت فيه نص، ولكن على أصلهم الفاسد، وأن يقتل الساحر إن كان حنفياً أو شافعياً، وأن يقتل السيد بعبده، والمؤمن بالكافر إن كان مالكياً، وإلا فقد تناقضوا وأقروا بأن العموم الذي قد خصّ بعضه، فإن باقيه على العموم أيضاً، إلا أن يخصه نص أو إجماع، ونحن نرى ــــــ إن شاء الله تعالى ـــــ مسألة فيها تخصيص مترادف مرآة لكيفية العمل فيما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق، فنقول: قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فلا نص أكثر معاني ولا أعلم من هذا، وفيه إباحة النساء والمآكل كلها، وكل ما في الأرض. وقال تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } فلا شيء بعد النص المذكور آنفاً أعم ولا أكثر معاني من هذا النص الثاني. فلو لم يرد غيرهما لحرم النكاح جملة، والوطء بالبتة، ولكان النساء كلهن مستثنيات مما أبيح النص الأكثر المذكور آنفاً، فلو لم يرد غير هذين النصين لحرم النساء جملة. وقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } فكان هذا مبيحاً لما حظر النص المذكور الذي فيه حفظ الفروج، لو لم يرد غير هذه النصوص لوجب الأخذ بالتحريم، لأن الآية التي فيها إباحة النكاح موافقة للنص الأكثر الذي فيه إباحة كل ما في العالم، وإنما هي تأكيد وتكرار كسائر ما في القرآن من التكرار والتأكيد الذي أورده الله تعالى كما شاء، {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } كما كرر تعالى أخبار الأنبياء عليهم السلام: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } فكرر إباحة نكاح النساء كما شاء.
ولسنا نقول: إن شيئاً من هذه النصوص قبل كل شيء، ولا أن شيئاً منها بعد شيء، وسواء نزل بعضها قبل بعض، أو نزلت معاً، لا فرق عندنا بين شيء من ذلك، وليس شيء مما نزل بعد رافعاً لشيء نزل قبل إلا بنص جلي في أنه رافع له، أو بإجماع على ذلك، وإلا فهو مضاف إليه ومعمول به معه ضرورة لا بد من ذلك، فلما صح ما قلنا من استثناء تحريم النكاح جملة مما أباح تعالى لنا، ووجدناه تعالى قد استثنى إباحة النكاح من حفظ الفروج استثناءً تامّاً بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } فصح يقيناً أن الزواج وملك اليمين مستثنى مما حرم من إهمال الفروج.
ثم وجدها هذا الاستثناء يحتمل أن يؤخذ به على عمومه، فيخص به من آية التحريم أشياء كثيرة: منها الأختان بملك اليمين، والأم والابنة بملك اليمين، والكتابية بملك اليمين، والحائض والمحرمة والصائمة فرضاً، والحريمة بصهر أو رضاع، ويحتمل ألا يخرج من النص الذي فيه تحريم إهمال الفروج جملة إلا ما خصّ نص جلي أو إجماع متيقن على إخراجه منه، فلو أخرجنا من النص الذي فيه تحريم إهمال الفروج كل ما يحتمل إخراجه، لكنا قد أسقطنا ما تيقنا وجوبه بما شككنا في إباحته، ونحن إذا لم نخرج منه إلا ما جاء نص جلي، أو إجماع بإخراجه منه، كنا قد علمنا بما تيقنا لزومه لنا من النص المبيح للوطء، وعلمنا أيضاً بما تيقنا وجوبه من النص الذي فيه التحريم، إذ في استعمالنا ما في إية إباحة الوطء كله رجوع إلى الأصل الأول الذي فيه إباحة كل ما في الأرض، وترك ما قد لزم إخراجه منه بيقين. فلو فعلنا ذلك لكنا متناقضين، لأنها ثلاثة نصوص كما ترى: نص عام، ثم آخر دونهما في العموم ثم ثالث دونهم معاً في العموم.
فإن قال قائل: بل نأخذ بالنص الأخص قلنا له وبالله التوفيق: إنك إن فعلت ذلك رجعت إلى قولنا، لأننا نوجد لا نصّاً أخص من النص الذي فيه إباحة الوطء فيلزمك أن تغلب هذا الأخص الذي هو نص رابع، وإلا نقضت قولك، وهو قول الله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } والمشركات من الكتابيات هن بعض من تملك أيماننا، وكذلك الأختان إذ ملكناهما.
وأما أصحابنا القياسيون فتناقضوا تناقضاً فاحشاً ظاهر الخطأ، لأنهم عمدوا إلى قوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } إلى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } وإلى قوله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } وهذه كما ترى آيات محرمات لنساء موصوفات، وعمدوا إلى قوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } فاستثنوا الأختين بملك اليمين، والأم وابنتها بملك اليمين، والعمة وبنت أخيها بملك اليمين، والخالة وبنت الخالة بملك اليمين، من الآية التي فيها إباحة ملك اليمين. إلا أن يكون أختان معاً أو أم وابنة، أو عمة وبنت أخيها، فإن أولئك لا يحل وطؤهن، ثم إن يستثنوا الإماء الكتابيات بما أباحوه من ملك اليمين، فلو أن عاكساً عكس فأباح الأختين والأم والابنة بملك اليمين، وحرم الأمة الكتابية بقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي فرق كان يكون بينهم إلا التحكم بلا دليل؟. فإن قالوا: قد أبيحت الكتابية، قيل لهم: أخطأتم إنما أبيحت بالزواج لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } فإنما أباح المحصنات الكتابيات بشرط إيتائهن الأجور، وإيتاؤهن الأجور لا يكون إلا في الزواج لا في ملك اليمين، وهذا ما لا شك فيه عند أحد، فبطل أن يكون المراد بالإباحة المذكورة الإماء الكتابيات، فبقين على أصل التحريم.
ولو أننا رضينا لأنفسنا من الحجة بنحو ما يرضون به لأنفسهم لقلنا لهم: إن قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } إنما قصد به الإماء لقوله تعالى في أثر ذلك: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
ولكنا في ذلك نبين بأقوى مما يحتاجون به في أكثر مسائلهم: مثل احتجاجهم في إيجاب الخطبة بقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ومثل احتجاجهم في عتق الأخ بقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } ومثل احتجاجهم في المنع من النفخ في الصلاة بقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } ومثل احتجاجهم في القسامة ببقرة بني إسرائيل.
ومثل هذا من التمويه البارد الفاسد الداخل في حدود هذيان المبرسمين، ولكن الله عز وجل قد أغنانا بالنصوص الظاهرة التي لا مجال للتأويل فيها، وبنصره تعالى لنا عن تكلف بنيات الطرق، وادعاء ما لا يصح، ومن أمكنته السيوف لم يفتقر إلى المحاربة بحطام التبن، ولا سيما من قال منهم: إن النص إذا خص بعضه لم يؤخذ من باقيه إلا ما أجمع عليه، فإنه يقال له في هذا المكان: إباحة ملك اليمين قد خرج منه بالنص بالإجماع أشياء كثيرة فمنها الذكور والبهائم، والأم من الرضاع والأخت من الرضاع، وكل حريمة بصهر ورضاع، وكل حائض، وكل صائمة فرض، وأخرجت أنت منه الأختين والأم والابنة والعمة والخالة، فيلزمك ألاَّ تبيح مما بقي إلا ما اتفق عليه، ولم يتفق على إباحة الأمة الكتابية بملك اليمين، ولا جاء بها نص. فواجب عليك القول بتحريمها. ويقول لسائرهم: أنتم أهل القياس فقيسوا ما اختلفنا فيه من وطء الأمة الكتابية بملك اليمين على ما اتفقنا عليه من تحريم الأختين بملك اليمين، وسائر ما ذكرنا، ويقال للمالكيين منهم: أنتم تدخلون التحريم بأدق سبب ولا تدخلون التحليل إلا بأبين وجه، فحرموا الوطء للأمة الكتابية، إذ لا سبب معكم في تحليلها لا دقيق ولا جليل، ولكم في تحريمها أبين سبب فإن ادعوا إجماعاً أكذبهم ابن عمر، فقد صح عنه تحريم الكتابيات جملة، وتلا الآية التي ذكرنا.
قال علي: وأما جمهور أصحابنا الظاهريين، فإنهم سلكوا طريقة لهم في ترك ما ظاهره التعارض ــــــ قد بينا بطلانها ـــــ فجعلوا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } معارضاً لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } ورجعوا إلى الأصل بالإباحة.
قال علي: وهذا خطأ شديد من كل وجه، وحتى لو كان التعارض موجوداً، وكان العمل صحيحاً لكان ههنا باطلاً، فكيف والتعارض غير موجود لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } ولقوله تعالى: والعمل المذكور عنهم فاسد بترك ما قد ثبت اليقين بوجوب الطاعة له. قال علي: ولو كان العمل المذكور صحيحاً لكان الرجوع إلى قوله تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } أولى منه إلى إباحة قد خص منها حفظ الفروج، ولكن الصواب ما بينا من استثناء الأقل معاني من الأكثر والعجب كل العجب من تحريمهم الأمة الوثنية بملك اليمين بلا خلاف منهم بقوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } وإباحتهم لأمة الكتابية بملك اليمين بلا نص فيها أصلاً ولا إجماع، فخصوا قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } بلا دليل، وفرقوا بين الأمة الوثنية والكتابية بلا دليل. فإن قالوا: إن قوله تعالى: {وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } إنما قصد به الزواج اخطؤوا من وجهين:
أحدهما: تخصيص العموم بلا دليل، والثاني: تناقضهم وتحريمهم الأمة الوثنية بملك اليمين، وإنما جاء نص الإباحة من الكتابيات بالزواج فقط فحرام أن يستثنى من تحريم المشركات بشيء غير الزواج وحده الذي استثني بالنص، ولا سيما وهم يبطلون القياس، إنما أباح الإماء بملك اليمين من أباحهن قياساً على الحرائر منهن في الزواج، والقياس باطل، فلم يبق إلا أن يقولوا: إن المشركات اسم لا يقع على الكتابيات، فإن قالوا هذا وكان القائل مالِكيّاً أو شافعيّاً تناقض في أنهم حملوا قوله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } على الكتابي كما حملوه على الوثني. وإن كان حنفيّاً تناقض في حمله قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الآية على الكتابي كحملهم إياها على الوثني، وبرهان ذلك قبولهم إسلامهم إن أسلم، وليس في آية حرب أهل الكتاب إلا {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فقط. وبالله التوفيق.
ومما احتج به عيسى بن أبان في قوله: إن النص إذا خصّ منه شيء وجب حمل سائره على الخصوص ـــــ أن قال: إن ذلك مثل شاهدين جرحا بقصة ما، فوجب على سائر شهادتهما في كل شيء. قال علي بن أحمد: وهذا القول فمع ما فيه من الاضطراب وتشبيهه بشيء لا يشبهه، إقدام عظيم على الله عز وجل وعلى رسوله ، ولو كان القياس حقّاً ـــــ وقد أعاذ الله تعالى من ذلك ــــــ لكان هذا القياس أحمق قياس في الأرض، فكيف والقياس كله باطل. ولله تعالى الحمد. فيقال لعيسى: ليت شعري ما الذي شبه كلام الله تعالى، وكلام رسوله الذي ألزمنا الله تعالى توقيره والطاعة له، وحرم علينا معصيته ـــــ بكلام فاسقين قد ثبت جرحتهما، وقد أمرنا تعالى ألا نقبل خبرهما. بل لقائل هذا القول المردود مثل السوء، ولله تعالى ولرسوله المثل الأعلى، وهلا قال إذ لم يوفقه الله تعالى لقبول الحق: إن النص الذي خص بعضه بمنزلة شاهدين عدلين شهدا لأبيهما فلم يقبلا على مذهبه الفاسد، فلا يكون ذلك موجباً لرد شهادتهما في سائر ما شهدا به لغير أبيهما، فهذا قياس أصح من قياسه لو كان القياس حقّاً، فكيف والقياس باطل كله فاسد، إلا أن الذي علمناهم أمثل لأننا مأمورون بقبول شهادة العدلين كما نحن مأمورون بقبول النص الوارد من الله تعالى ورسوله والعمل به؟ فإذا سقط عنا قبول ما شهدا به لدليل قام على ذلك في بعض المواضع، لم يوجب ذلك سقوط سائر شهادتهما في سائر المواضع، وكذلك النص اللازم لنا قبوله إذا قام دليل على سقوط بعضه في بعض المواضع لم يكن ذلك موجباً لسقوط باقيه وسائره. فهذا أشبه مما قال، لأن الجرح الذي نظر به مسقط العدالة بالجملة، وليس خصوص النص بمسقط للعمل به جملة.
ولو شبه الشاهد المجرح عدالته بالمنسوخ من الملك والشرائع فأوجب بذلك سقوط جميعها عنا، لكان أدخل في التمويه، وألطف في التشبيه، ولكنهم مع قولهم بالقياس وتركهم له كلام الله تعالى وكلام رسوله فإنك تجدهم أجهل الخلق بترتيب باطلهم، وأشدّهم اضطراباً فيه وهكذا يكون ما كان من عند غير الله. ولله الحمد على ما وفق بمنه. قال علي: ونسي عيسى نفسه إذ قال بما ذكرنا، من أن النص إذا خصّ بعضه لم يؤخذ من باقيه إلا ما اتفق على الأخذ به منه، فهلا تذكر على هذا الأصل إذ قال ـــــ في نهيه عن قتل النساء ـــــ إن المرتدة لا تقتل، وهذا نص قد خص منه الزانية المحصنة والقاتلة، فهلا أسقط أيضاً منه المرتدة، ولم يأخذ منه إلا ما اتفق عليه من المنع من قتل الحربيات المأسورات، ولكن القوم إنما هم ناصرون لما حضرهم من مسائلهم لا يبالون بما أصلوا في ذلك، ولا بما احتجوا، ولا يستحيون من نقضه بعد ساعة، وإبطاله بأصل مضاد للأصل الأول على حسب ما يرد عليهم من المسائل كل ذلك طاعة لمالك وأبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وقلة مبالاة لمخالفة القرآن وترك كلام النبي . وبالله تعالى نستعين من الخذلان، ونسأل المزيد من التوفيق. قال علي: ولا فرق بين تخصيص بعض آية أو حديث ـــــ لم يرد في ذلك البعض تخصيص، لكن لأنه قد خصّ بعض آخر منهما ــــــ وبين من أراد من ذلك أن يخص كل آية وكل حديث، لأنه قد وجد آيات مخصوصات وأحاديث مخصوصة، وكل هذا تحكم بلا دليل، أو بدليل فاسد. وفي هذا إبطال الشريعة، ومن استجاز ما ذكرنا وصوبه، لزمه أن يقول بنسخ كل آية، لأنه قد وردت آيات منسوخات. وهذا يخرج إلى إبطال الإسلام، ويقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من خصّ سورة بكمالها أو قال بنسخ كل ما فيها، لأنه وجد بعضها منسوخاً ومخصوصاً. وهذا ما لا يقولونه وهو موجب قولهم الفاسد. قال علي: واحتج بعض من ذهب هذا المذهب فقال: من حلف أن هذه الآية أو الحديث مخصوصاً فيما قد قام الدليل على تخصيص بعضهما لم يحنث. قال علي: يقال له صدقت. ومن نازعك في هذا حتى تلحقه، ونحن نقر لك بأن هذا النص مخصوص إذا قام الدليل على خصوص بعضه، ولكن الباقي بعد ما خص مأخوذ على موجبه وعلى كل ما اقتضاه لفظه بعد ما خرج منه، ونحن على ما لزمنا من وجوب الطاعة له.
قال علي: ويلزم من قال بهذا أن يقول: متى وجدت عدداً قد استثني منه شيء وجب أن أسقطه كله، ومتى وجدت إنساناً قد وجب أخذ بعض ماله، لم أمتنع من أخذ باقته إلا أن يمنعني منه إجماع، ومن قال هذا لزمه في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } أن يقول لعله قد خصت منها خمسون أخر بالاستثناء فيكون مقامه فيهم تسعمائة عام فقط أو أقل، وهذا فساد في العقل وكفر في الإسلام.
فإن قال قائل: قد رخص للزبير وعبد الرحمن في الحرير لحكة كانت بهما فقلتم أنتم: هو عام لكل من كان في مثل حالهما. قيل له: هذا هو نص قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ } فكل مضطر إلى محرم فهو له حلال، وهذا الحديث ــــــ الذي فيه إباحة الحرير لعبد الرحمن والزبير هو بعض الآية المذكورة، وهو بمنزلة مفت سمع أن اليمين على من ادعي عليه، فأوجب اليمين بذلك على زيد، وعلى عمرو، وعلى خالد، لأنهم مدعى عليهم، فأصاب في ذلك وكل هؤلاء قد اقتضاهم الحديث المذكور.
فإن قال قائل: فهلا عممتم الآية التي ذكرتم في قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ } فأبحتم به أكل الميتة للباغي إذا اضطر إليها، وأنتم لا تفعلون ذلك؟ قيل له وبالله تعالى التوفيق: إنما منعناه لوجهين: أحدهما: أن الباغي مستثنى من جملة المضطرين، وقد قلنا: إنه يجب استثناء الأقل معاني من الأكثر معان. والوجه الثاني: أن الباغي مضطر، لأنه لو ترك البغي لارتفعت ضرورته من أجله، فهو مختار لحاله غير مضطر إلى الميتة، لأنه لو أراد ترك البغي لكان قادراً على ذلك، ولحلت له الميتة حينئذ لضرورة ـــــ إن كانت به ـــــ إنما المضطر الذي لا يقدر على دفع ضرورته، ومن سلك طريقاً وهو باغ وتحصن في حصن وهو باغ فهو المختار لعدم التصرف فليس مضطرّاً، فليس له دخول في جملة من أبيحت له الميتة. وبالله تعالى التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
=======
ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام
فصل في مسائل من العموم والخصوص
قال علي: ومما تناقض فيه القائلون بتخصيص النصوص بالقياس: أن قالوا بعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فقالوا: المدخول بها وغير المدخول بها سواء، ولم يقيسوا غير المدخول بها في الوفاة على غير المدخول بها في الطلاق، كما قاس بعضهم الإحداد على المطلقة ثلاثاً، على الإحداد على المتوفى عنها زوجها، فإن كان القياس حقّاً فليستعملوه في كل مشتبهين، وإن كان باطلاً فليجتنبوه. قال: ومما خص بالإجماع قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } فخص بنص السنة العبد بأنه لا يرث وخصت السنة أيضاً الكافر بأنه لا يرث المسلم، ولا المسلم الكافر. وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
وقال رسول الله : «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيانُ» فخص الكتاب قائل الخطأ بوجوب الكفارة عليه، وخصّ الإجماع المنقول من أحدث ناسياً أنه منتقض الوضوء، وقد ادعى قوم أن حدّ العبد مخصوص بالقياس على حد الأمة. قال علي: وقد أفكوا في ذلك، بل جاء النص بأن حد العبد مخالف لحد الحر في حديث دية المكاتب من طريق علي رضي الله عنه، وابن عباس رضي الله عنهما.
وقالوا أيضاً في قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أنه خص منها جزاء الصيد في أنه لا يؤكل منه بالإجماع، وهدي المتعة قيس عليه. قال علي: هذا خطأ، إنما أمر تعالى بالأكل من التطوع ما لم يعطب قبل محله، وأما كل هدي واجب فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } فلما كانت هذه الواجبات كلها مأموراً بإخراجها من أموالنا، وكان ذلك مسقطاً لملكنا عنها كانت قد انتقلت إما إلى ملك المساكين، وإما إلى ملك الله عز وجل، لا بد من أحد الوجهين المذكورين، وما خرج عن ملكنا فلا يحل لنا أن ننصرف فيه إلا بنص مبيح أو إجماع والعجب من حملهم أمر الله تعالى بالأكل منها والإطعام، على أن ذلك غير واجب، ثم أرادوا أن يخصموا منها بقياس لا يشبه ما أرادوا تشبيهه به، نعني هدي المتعة بهدي الجزاء، فهلا إذ قاسوا هدي المتعة على هدي الجزاء قاسوا صيام الجزاء على صيام المتعة، ولكن هذا في تناقضهم يسير جدّاً، وأيضاً فلا إجماع في تحريم الأكل من جزاء الصيد، وقد روينا عن بعض التابعين إباحة الأكل منه. قال علي: وقال بعضهم: كيف تتركون ظاهر القرآن الذي من أنكره أو شك فيه كفر، لخبر واحد لا تكفرون ما خالفكم فيه، ولا تفسقونه؟ قال علي: فيقال لهم: وبالله تعالى التوفيق: القطع على وجوب الائتمار لهما معاً واحد بالدلائل التي قد ذكرناها في باب إثبات العمل بخبر الواحد من هذا الكتاب، وكلاهم وحي من عند الله تعالى، والقطع في المراد منهما بالمغيب منهما معاً إنما هو على حسب الظاهر منهما، وإنما يكفر من أنكر تنزيل القرآن أو تنزيل بعضه فقط، وأما إن أنكر الأخذ بظاهره، وتأول في آياته تأويلات لا يخرج بها عن الإجماع، فإننا لا نكفره ما لم تقم الحجة عليه، كما لا نكفر من خالفنا في قبول خبر الواحد ما لم تقم الحجة عليه، وكلا الأمرين سواء، ولو أن امرأً يقول: لا أقبل ما قال رسول الله لكان كافراً مشركاً كمن أنكر القرآن أو شكّ فيه ولا فرق، وبالله تعالى التوفيق.
======
قال علي: ومما تناقض فيه القائلون بتخصيص النصوص بالقياس: أن قالوا بعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فقالوا: المدخول بها وغير المدخول بها سواء، ولم يقيسوا غير المدخول بها في الوفاة على غير المدخول بها في الطلاق، كما قاس بعضهم الإحداد على المطلقة ثلاثاً، على الإحداد على المتوفى عنها زوجها، فإن كان القياس حقّاً فليستعملوه في كل مشتبهين، وإن كان باطلاً فليجتنبوه. قال: ومما خص بالإجماع قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } فخص بنص السنة العبد بأنه لا يرث وخصت السنة أيضاً الكافر بأنه لا يرث المسلم، ولا المسلم الكافر. وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
وقال رسول الله : «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيانُ» فخص الكتاب قائل الخطأ بوجوب الكفارة عليه، وخصّ الإجماع المنقول من أحدث ناسياً أنه منتقض الوضوء، وقد ادعى قوم أن حدّ العبد مخصوص بالقياس على حد الأمة. قال علي: وقد أفكوا في ذلك، بل جاء النص بأن حد العبد مخالف لحد الحر في حديث دية المكاتب من طريق علي رضي الله عنه، وابن عباس رضي الله عنهما.
وقالوا أيضاً في قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أنه خص منها جزاء الصيد في أنه لا يؤكل منه بالإجماع، وهدي المتعة قيس عليه. قال علي: هذا خطأ، إنما أمر تعالى بالأكل من التطوع ما لم يعطب قبل محله، وأما كل هدي واجب فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } فلما كانت هذه الواجبات كلها مأموراً بإخراجها من أموالنا، وكان ذلك مسقطاً لملكنا عنها كانت قد انتقلت إما إلى ملك المساكين، وإما إلى ملك الله عز وجل، لا بد من أحد الوجهين المذكورين، وما خرج عن ملكنا فلا يحل لنا أن ننصرف فيه إلا بنص مبيح أو إجماع والعجب من حملهم أمر الله تعالى بالأكل منها والإطعام، على أن ذلك غير واجب، ثم أرادوا أن يخصموا منها بقياس لا يشبه ما أرادوا تشبيهه به، نعني هدي المتعة بهدي الجزاء، فهلا إذ قاسوا هدي المتعة على هدي الجزاء قاسوا صيام الجزاء على صيام المتعة، ولكن هذا في تناقضهم يسير جدّاً، وأيضاً فلا إجماع في تحريم الأكل من جزاء الصيد، وقد روينا عن بعض التابعين إباحة الأكل منه. قال علي: وقال بعضهم: كيف تتركون ظاهر القرآن الذي من أنكره أو شك فيه كفر، لخبر واحد لا تكفرون ما خالفكم فيه، ولا تفسقونه؟ قال علي: فيقال لهم: وبالله تعالى التوفيق: القطع على وجوب الائتمار لهما معاً واحد بالدلائل التي قد ذكرناها في باب إثبات العمل بخبر الواحد من هذا الكتاب، وكلاهم وحي من عند الله تعالى، والقطع في المراد منهما بالمغيب منهما معاً إنما هو على حسب الظاهر منهما، وإنما يكفر من أنكر تنزيل القرآن أو تنزيل بعضه فقط، وأما إن أنكر الأخذ بظاهره، وتأول في آياته تأويلات لا يخرج بها عن الإجماع، فإننا لا نكفره ما لم تقم الحجة عليه، كما لا نكفر من خالفنا في قبول خبر الواحد ما لم تقم الحجة عليه، وكلا الأمرين سواء، ولو أن امرأً يقول: لا أقبل ما قال رسول الله لكان كافراً مشركاً كمن أنكر القرآن أو شكّ فيه ولا فرق، وبالله تعالى التوفيق.
========
قال علي: وإذا ورد أن رسول الله فعل فعلاً كذا نظرنا فإن كان عرضاً منتهكاً، أو دماً مسفوحاً، أو مالاً مأخوذاً، علمنا أن ذلك واجب، لأنه عليه السلام حَرَّم الدماء والأموال والأعراض جملة إلا بحق، فما أخذ عليه السلام من ذلك علمنا أنه فرض أخذه، وأنه مستثنى من التحريم المذكور، من ذلك جلد الشارب، وهمه عليه السلام بإحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة، وهو عليه السلام لا يهم إلا لحق واجب لو أصرّ عليه المهموم فيهم لأنفذه عليهم، لا يحل لأحد أن يظن غير ذلك، ومن قال: إنه عليه السلام يتوعد بما لا يفعل، فقد نسب إليه الكذب وناسب ذلك إليه كافر، ومثل ذلك القضاء باليمين مع الشاهدين وغير ذلك كثير.
فصل من العموم
قال علي: العموم قسمان: منه مفسر، ومنه مجمل، فالمجمل هو الذي لا يفهم من ظاهره معناه، والمفسر قد ذكرناه، وأما المجمل فلا بد من طلب المراد فيه من أحد موضعين: إما من نص آخر، وإما من إجماع، فإذا وجدنا تفسير تلك الكلمة في نص آخر قلنا به وصرنا إليه، ولم نبال من خالفنا فيه ولا استوحشنا منه كثروا أو قلوا صغروا أو جلُّوا، ولم نتكثر بمن وافقنا فيه كائناً من كان من قديم أو من حديث وقليل وكثير، وليس ممن كان معه الله ورسوله قلة، ولا ذلة، ولا وحشة إلى أحد، ولا فاقة إلى وفور عدد، فإذا لم نجد نصّاً آخر نفسر هذا المجمل، وجب علينا ضرورة فرض طلب المراد من ذلك المجمل في الإجماع المتيقن المنقول عن جميع علماء الأمة ــــــ الذين قال تعالى فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } ـــــ وكيفية العمل في ذلك أن نأخذ بما أجمعوا عليه من المراد بمعنى ذلك المجمل، ونترك ما اختلفوا فيه، فهذا هو حقيقة ما أمرنا به من الأخذ بالإجماع، وترك كل قول لم يقم عليه دليل. وهذا الذي نسميه استصحاب الحال، وأقل ما قيل: فإن قال قائل: إن هذان اسمان مختلفان في المعنى، فما الفرق بينهما؟ ولم صرتم إلى أحدهما في بعض الأمكنة؟ وإلى الآخر في أمكنة أخرى، وما حدّ المواضع التي تأخذون فيها باستصحاب الحال، وما حدّ المواضع التي تأخذون فيها بأقل ما قيل؟ وأنتم تسمون فعلكم في كلا الموضعين اتباعاً للإجماع، وإجماعاً صحيحاً، وأنتم لا تسمون من أنفسكم بإجمال لا تستطيعون تفسيره، وتعيبون بذلك أصحاب القياس أشد عيب قيل له، وبالله تعالى التوفيق.
صدقت في صفتك وأحسنت في سؤالك، والجواب عما سألت عنه، إن الذي عملنا فيه بأن سميناه أقل ما قيل، فإنما ذلك في حكم أوجب غرامة مال أو عملاً بعدد لم يأت في بيان مقدار ذلك نص، فوجب فرضاً ألا نحكم على أحد لم يرد ناقض في الحكم عليه إلا بإجماع على الحكم عليه، وكان العدد الذي قد اتفقوا على وجوبه وقد صح الإجماع في الحكم به، وكان ما زاد على ذلك قولاً بلا دليل، لا من نص ولا إجماع، فحرام على كل مسلم الأخذ به، وأما الذي عملنا فيه بأن سميناه استصحاب الحال، فكل أمر ثبت إما بنص أو إجماع فيه تحريم أو تحليل أو إيجاب، ثم جاء نص مجمل ينقله عن حاله فإنما ننتقل منه إلى ما نقلنا النص، فإذا اختلفوا ولم يأت نص ببرهان على أحد الوجوه التي اختلفوا عليه، وكانت كلها دعاوى، فإذا ثبت على ما قد صح الإجماع أو النص عليه، ونستصحب تلك الحال، ولا ننتقل عنها إلى دعاوى لا دليل عليها، وهذا القسم موجود كثيراً، فهذا الجواب مستوعب لبيان جميع الوجوه التي سألت عنها، ومبين للحد الذي سألت عنه، وللفرق الذي سألت عنه ولوجوب المصير إلى ما سألت عن دليل وجوب المصير إليه، وبيان كون كلا الوجهين إجماعاً، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ومن خالف الطريق التي ذكرنا فلا بد له ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يقول برأيه بلا دليل في دين الله عز وجل، وإما أن يقلد، وكل ذلك باطل، فلا بدّ له من الباطل. قال علي: ونحن نمثل من ذلك أمثله لتكون أبين للطالب، فنقول، وبالله تعالى التوفيق، إن ذلك مثل قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } . ومثل ذلك قوله تعالى: { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } وقوله تعالى: { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وقوله تعالى: { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وقوله تعالى: {و متعوهنّ } وقوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وقوله تعالى: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } وقول رسول الله : «ما مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لا يُؤَدِّي حَقَّها، وَمَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لا يُؤَدِّي حَقَّها، وَمَا مِنْ صَاحِبِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ لا يُؤَدِّي حَقَّها إِلاَّ فُعِلَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَا وَكَذَا» ، وجاء النص بإيجاب النفقة على الزوجات وذوي الرحم وملك اليمين.
فأما قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فإنه حكم في مشركين قد أمرنا بقتلهم وأخذ أموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم، وأوجب كل ذلك علينا وصح بالنص إيجاب دينار على الواحد منهم، فصح أن من بذل منهم أقل من دينار لم يجز حقن دمائهم بذلك، فكان الدينار أقل ما قال قائلون إنه جزية يلزم قبولها بالنص، وليس في أكثر من ذلك حد ووقف عنده فيقول القائل: هو أكثر ما قيل، فلو لم يكن ههنا حد يوقف عنده لما وقع عقد ذمته أبداً، لأنهم كانوا يكونون إنما بذلوا شيئاً طلب منهم أكثر، وهذا لا نهاية له، وليس من حدَّ حدّاً بأولى ممن حدَّ حدّاً آخر، فهذا لا ينضبط أبداً، فصح أن الحد الأول هو الواجب أخذه وهو الدينار إذا بذلوه ولم يطيقوا أكثر منه، وليس في النص لأخذ أكثر من الدينار ممن أطاقه، وبالله تعالى التوفيق.
وأما زكاة البقر فقد قدمنا ذكر خبر معاذ رضي الله عنه، وأن مسروقاً أدركه وحضر حكمه وشاهده، هذا ما لا شك فيه، ولم يكن أخذ زكاة البقر من عمل معاذ نادراً ولا خفيّاً، بل كان فاشياً ظاهراً معلناً مردداً كل عام كثيراً، فهذا غاية صحة النقل الموجب للعلم والعمل، وكذلك عمله ونقله في الجزية، فصح أن زكاة البقر والجزية مسندان صحيحان عن رسول الله من طريق معاذ. وأما عدد الجزية ومقدارها فقد ذكرناه آنفاً، فهو اللازم إلا أن يتفقوا معنا باختيارهم على أكثر، أو يتملّكوا دون عهد فيلزموا ما يطيقون، ويحرم بذلك دماؤهم، وسبيهم.
وأما الصغار عليهم، فإن النص قد ورد بإلزامه إياهم، فكل ما وقع عليه اسم صغار فنحن نأتيه فيهم، إلا ما منعنا منه نص أو إجماع فقط، ولذلك أبحنا دماءهم إن ركبوا فرساً أو حملوا سلاحاً أو تكنوا بكنى المسلمين، أو تشبهوا بهم أو سبوا مسلماً أو أهانوه أو خالفوا شيئاً من الشروط التي قد جمعناها في كتاب ذي القواعد، لأنه عموم واجب أخذه كله وحمله على كل ما اقتضاه اسمه، وهذا بخلاف ما جاء عن المسلمين، فإن المسلمين قد جاء النص فيهم بتحريم دمائهم وأموالهم وأعراضهم والإضرار بهم، وأوجب الله علينا كرامة كل مسلم بنهينا عن التحاسد والتنازع، وأن يحقر أحدنا أخاه المسلم، وأمرنا بالتراحم والتعاطف وهذا بخلاف ما أمرنا به في المشركين، فلا يحل من مال مسلم ولا من عرضه ولا من دمه ولا من أذاه إلا ما صحّ بإيجابه، فلذلك قلنا في الدية المأخوذة من المسلمين بأقل ما قيل. ولما صحّ تحريم أموال أهل الذمة بالجزية المتفق على قبولها، وجب أيضاً ألا نحكم عليهم بعد تيقنّاً تحريم دمائهم وأموالهم، وسبيهم، إلا بأقل ما قيل عليهم، واستصحاباً للحال التي قد تيقنَّا وجوبها علينا فيهم، وإنما حرم بعد الجزية مال الذمي استصحاباً للحال التي قد تيقنَّا وجوبها عليهم فيها، فلذلك لم نقل أيضاً في الدية المأخوذة منهم في قتل بعضهم بعضاً إلا بأقل ما قيل وذلك ثلثا عُشر دية المسلم إما ثمانمائة درهم، وإما ستة أبعرة وثلثا بعير، ما لم ينقضوا ذمتهم فيعودوا بنقضها إلى ما كانوا عليه قبل الذمة بالإجماع والنص وبالله التوفيق.
وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } فقد بيّن ذلك نص عن النبي جليّ.
وأما قوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فإننا صرنا في تفسير مقدار هذا الإطعام إلى نص ورد في الواطىء خاصة، وصرنا في كفارة الظهار إلى أقل ما قيل في ذلك، وهو موافق للنص الوارد في كفارة الواطىء. وأما قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فإننا صرنا في ذلك إلى بيان نصوص وردت في ذلك، وتركنا ما لم يأت فيه نص من الأموال، فلم نأخذ منه شيئاً، لما ذكرنا من تحريم أخذ مال مسلم بغير طيب نفسه، فحرم أن يؤخذ من مال مسلم شيء أصلاً إلا بنص بيّن جليّ أو إجماع، لأن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } هو مستثنى من جملة تحريم أموالهم، فلا يخرج من ذلك النص الأكثر الأعم إلا ما بينه نص أو إجماع. وأما قوله تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ } فإنما نأخذ في مقدار متعة المطلقة بما أوجبه البرهان قبل، استصحاباً لما قلنا من تحريم مال المسلم جملة. وأما قوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فإنا لا نجبر السيد على قبول أقل من قيمة المكاتب، ولا نجبر المكاتب على أكثر مما يطيق، لإجماع القائلين بإيجاب ذلك ــــــ وهم أهل الحق ــــــ على إيجاب المقدار الذي ذكرناه.
وأما قوله تعالى: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } فإنا صرنا في ذلك إلى مقتضى ظاهر الآية على ما بيناه في كتابنا في المسائل، لأن الأصل ما قد ذكرنا من تحريم مال المسلم جملة، ومن أنه لا يحل لأحد أن يفرض شريعة على أحد لا من صيام ولا من غيره إلا ما أوجبه نص، وأما قوله عليه السلام: «مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَما مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ، وَمَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ» فإنا صرنا في بيان مقدار الإبل والغنم والبقر المأخوذ منها ومقدار الحق المأخوذ منها ـــــــ إلى نصوص واردة في ذلك مبينة بياناً جلياً، ولذلك أوجبنا حلبها يوماً وردها فرضاً. وأما الذهب فإنه لا نص في مقدار ما يؤخذ منه الحق منها، ولا في مقدار الحق المأخوذ منها، فصرنا في ذلك إلى الإجماع ضرورة، وقد قدمنا أنه لا يحل من مال مسلم إلا ما أوجبه نص أو إجماع، فلم نوجب في الذهب إلا أقل ما قيل، فلم نأخذ أقل من أربعين ديناراً من ذهب ولا من الزيادة حتى يبلغ أربعين ديناراً أبداً بخلاف الفضة، لأن الفضة ورد فيها نص، فوجب حمله على عمومه بخلاف الذهب الذي لم يرد في مقدار ما يؤخذ منه نص يصح البتة، وبالله تعالى التوفيق. وأما حليّ الذهب فإنه قد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في الذهب قبل أن يصاغ حليّاً ــــــ إذا بلغ المقدار الذي ذكرنا ــــــ ثم اختلفوا في سقوطها إذا صيغ فاستصحبنا الحال الذي أجمعنا عليها، ولم نسقط الاختلاف ما قد وجب باليقين والإجماع. وأما النفقات الواجبات فقد أوجبها تعالى بالمعروف، وأمرنا بالإحسان في ذلك، وهذا يقتضي الشبع والسكن والكفاية وستر العورة بما لا يكون شهرة ولا مثلة، فقد رأينا في هذا كله وجه العمل الذي من حفظه ووقف عليه كفي تعباً عظيماً، ولاح له الحق دون تخطيط ولا إشكال، بحول الله وقوته.
قال علي: وأما إذا ورد لفظ لغوي فواجب أن يحمل على عمومه وعلى كل ما يقع في اللغة تحته، وواجب ألا ندخل فيه ما لا يفيده لفظه، مثل قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، فالخير في اللغة يقع على الصلاح في الدين وعلى المال، فلا يجوز أن نخص بهذا النص بعض ما يقع عليه دون بعض إلا بنص، فلما قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } }، ولم يقل معهم، ولا قال تعالى عندهم، أنه إنما أراد الدين فقط، فلذلك قلنا: إنه لا يجوز مكاتبة كافر لأنه لا خير فيه البتة، وأما المسلم فقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله خير كثير ففيه خير على كل حال، ولم يقل تعالى خير، وبعض الخير خير، وبالله تعالى التوفيق.
ومن ذلك قوله عليه السلام: «لَيْسَ فِيما دِونَ خَمْسَة أَوْسُقٍ مِنْ حَبَ أَوْ تَمْرٍ صَدَقَةٌ» ، فوجب حمل «دون» على كل ما يقتضيه من أقل ومن غير، فسقت بذلك الزكاة عن الخضراوات كلها والقطاني والفاكهة وسائر الثمار كلها لأنها غير الحب والتمر، ووجب حمل الحب على ما يقع عليه في اللغة، لا يقع على القمح والشعير فقط، ذكر ذلك الكسائي وغيره من ثقات أهل اللغة في علمهم ودينهم. ومثل ما جاء أنه عليه السلام كان يجعل فضل المال في الكراع والسلاح، فوجب وضعه في كل ما يسمى كراعاً وسلاحاً، ولذلك لم يجز تحبيس شيء من الأموال إلا ما جاء فيه نص، لأنه شرع شريعة، فلا يحل الحكم بها إلا بنص، وأجزنا أن يحبس المرء على نفسه، لأنه داخل في عموم قوله عليه السلام: «إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ الأَصْلَ وَتَصَدَّقْتَ بِالثَّمَرَةِ» ، فجائز للمرء أن يتصدق على نفسه وعلى غيره، لأنه كله تصدق وقد صح عن النبي قوله: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا» .
قال أبو محمد: وذكر بعض أهل الكلام في هذا الباب حديثاً رواه أبو عبيد في غريب الحديث، وهو أمره عليه السلام قوماً من جهينة بإدفاء رجل كان أصابه البرد، والإدفاء في لغتهم القتل فقتلوه. قال علي: وهذا حديث مكذوب لا يصح البتة، بل نحن على يقين من كذب مفتري، لأنه عليه السلام أفصح العرب وأعرفهم في لغتهم، ومأمور بالبيان، وليس من البيان أن يأمرهم بكلام يقتضي عندهم غير مراده ، ولا حجة لهم في قصة عدي في الخيطين، لأن عديّاً من قبله أتى سوء الفهم، وقد كان لعدي في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } كفاية في أن المراد خيط الفجر من خيط الليل، وقد كان نزل بعد: {دُدِ وقد فعل فعل عدي سائر الصحابة رضوان الله عليهم وهم أهل اللغة. وأصابوا في ذلك حتى نزل {لُلِ وانتقلوا عن الظاهر الأول إلى الظاهر النازل بعده، وهذا هو الذي لا يجوز لأحد تعديه، وبالله تعالى التوفيق، وهو الموفق للصواب.
=================
ابن حزم - الإحكام في أصول الاتي ان شاء الله هو الأحكام/المجلد الأول/الجزء الرابع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج3.وج4.مشكاة المصابيح - التبريزي{ من 3864 الي6285}

  3. مشكاة المصابيح - التبريزي 3864 - [ 4 ] ( صحيح ) وعن سلمة بن الأكوع قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضل...